فصل: بقية أخبار المنصور.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بقية أخبار المنصور.

ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب وانحرف عن طاعة الشيعة ودعا للأموية من وراء البحر وزحف إلى تاهرت فحاصرها فنهض إليه المنصور في صفر سنة ست وثلاثين وجاء إلى سوق حمزة فأقام به وحشد زيري بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية ورحل مع المنصور فأفرج حميد عن تاهرت وعقد عليها ليعلى بن محمد اليفرني وعقد لزيري بن مناد على قومه وعلى سائر بلادهم ثم رحل لقتال لواتة فهربوا إلى الرمال وأقام هو على واد ميناس وكان هنالك ثلاثة جبال كل منهم عليه قصر مبني بالحجر المنحوت فوجد في وجه أحد هذه القصور كتابة على حجر فسيح فأمر المنصور التراجمة بقراءته وإذا فيه أنا سليمان السردغوس خالف أهل هذا البلد على الملك فبعثني إليهم ففتح الله عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد أن خلع على زيري بن مناد وحمله ودخل المنصورية في جمادى سنة ست وثلاثين فبلغه أن فضل بن أبي يزيد جاء إلى جبل أوراس وداخل البربر في الثورة فخرج إليه المنصور فدخل الرمل ورجع المنصور إلى القيروان ثم إلى المهدية ورجع فضل بن أبي يزيد إلى باغاية وأقام محاصرها فغدر به باطيط وبعث برأسه الى المنصور ثم عقد سنة تسع وثلاثين للحسين بن علي بن أبي الحسين الكلبي على صقلية وأعمالها وكانت لخليل بن إسحاق فصرفه الحسين واستقل بولايتها فكان له فيها ولبنيه ملك سنذكره وبلغ المنصور أن ملك إفرنجة يريد غزو المسلمين فأخرج أسطوله وشحنه بالعساكر لنظر مولاه فرج الصقلي وأمر الحسين بن علي عامل صقلية بالخروج معه فأجازوا البحر إلى عدوة الإفرنجة ونزلوا قلورية ولقيهم رجاء ملك الفرنجة فهزموه وكان فتحا لا كفاء له وذلك سنة أربعين وثلثمائة ورجع فرج بالغنائم إلى المهدية سنة اثنتين وأربعين وكان معبد بن خزر بعد مظاهرته لفضل بن أبي يزيد لم يزل منتقضا وأولياء المنصور في طلبه حتى أخذ في بعض الوقائع وسيق مع ابنه إلى المنصور فطيف بهما في أسواق المنصورية ثم قتلا سنة إحدى وأربعين وثلثمائة.

.وفاة المنصور وولاية ابنه المعز.

ثم توفي المنصور إسماعيل بن القاسم سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين لسبع سنين من خلافته أصابه الجهد من مطر وثلج تجلد على ملاقاته ودخل على أثره الحمام فعيت حرارته ولازمه السهر فمات وكان طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلى قد نهاه عن الحمام فلم يقبل وولي الأمر بعده ابنه معد ولقب المعز لدين الله فاستقام أمره وخرج لجبل أوراس سنة اثنتين وأربعين وجالت فيه عساكره واستأمن إليه بنو كملان ومليلة من هوارة ودخلوا في طاعته فأمنهم وأحسن إليهم واستأمن إليه محمد بن خزر بعد قتل أخيه معبد فأمنه ورجع إلى القيروان وترك مولاه قيصر في العساكر وعقد له على باغاية فدوخ البلاد وأحسن إلى الناس وألف من كان شاردا من البربر ورجع بهم إلى القيروان فأكرمهم المعز ووصلهم ثم وفد بعدهم محمد بن خزر أمير مغراوة فلقاه مبرة وتكريما وأقام عنده بالقيروان إلى أن هلك سنة ثمان وأربعين واستقدم المعز زيري بن مناد سنة ثلاث وأربعين أمير صنهاجة فقدم من أشير فأجزل صلته ورده إلى عمله وبعث إلى الحسين بن علي عامل صقلية سنة أربع وأربعين أن يخرجه بأسطوله إلى ساحل المرية من بلاد الأندلس فعاث فيه وغنم وسبى ورجع فأخرج الناصر صاحب الأندلس أسطوله إلى سواحل أفريقية مع غالب مولاه فمنعتهم العساكر وأقلعوا ثم عاودوا سنة خمس وأربعين فى سبعين مركبا فأحرقوا مرسى الخزر وعاثوا في جهات سوسة ثم في نواحي طبرنة ورجعوا واستقام أمر المعز في بلاد أفريقية والمغرب واتسعت إيالته وكانت أعماله من ايفكان خلف تاهرت بثلاثة مراحل إلى زناتة التي دون مصر وعلى تاهرت وايفكان يعلى بن محمد اليفرني وعلى أشير وأعمالها زيري بن مناد الصنهاجي وعلى المسيلة وأعمالها جعفر بن علي الأندلسي وعلى باغاية وأعمالها قيصر الصقلي وكان على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي وعلى سجلماسة محمد بن واسول المكناسي ثم بلغه سنة سبع وأربعين أن يعلى بن محمد اليفرني داخل الأموية من وراء البحر وأن أهل المغرب الأقصى نقضوا طاعة الشيعة فأغزى جوهر الصقلي الكاتب إلى المغرب بالعساكر وكان على وزارته وخرج معه جعفر بن علي صاحب المسيلة وزيري بن مناد صاحب أشير وتلقاهم يعلى بن محمد صاحب المغرب الأوسط ولما ارتحل عن ايفكان وقعت هيعة في أصحاب صيلة وقيل له إن بني يعرب أوقعوها فتقبض على يعلى وناشته سيوف كتامة لحينه وخرب ايفكان وأسر ابنه يدو بن يعلى وتمادوا إلى فاس ثم تجاوزوها إلى سجلماسه فأخذها وتقبض على الشاكر لله محمد بن الفتح الذي تلقب بأمير المؤمنين من بني واسول وولى ابن المعتز من بني عمه مكانه ودوخ المغرب إلى البحر ثم رجع إلى فاس وحاصرها وواليها يومئذ أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي وقاتلها مدة فامتنعت عليه وجاءته هدايا الأمراء الأدكرنية من السوس ثم رحل الى سجلماسة وبها محمد بن واسول من مكناسة وقد تلقب بأمير المؤمنين الشاكر لله وضرب السكة باسمه تقدست عزة الله فلما سمع بجوهر هرب ثم أخذ أسيرا وجيء به إلى جوهر وسار عن سجلماسة وافتتح البلاد في طريقه ثم عاد إلى فاس وأقام في حصارها إلى أن افتتحها عنوة على يد زيري بن مناد تسنم أسوارها ليلا ودخلها وتقبض على أحمد بن بكر وذلك سنة ثمان وأربعين وولى عليها من قبله وطرد عمال بني أمية من سائر المغرب وانقلب إلى القيروان ظافرا عزيزا وضم تاهرت إلى زيري بن مناد وقدم بالفاطميين وبأحمد بن بكر وبمحمد بن واسول أسيربن في قفصين ودخل بهما إلى المنصورية في يوم مشهود وكانت ولاية المغرب والمشرق منقسمة بين مولييه قيصر ومظفر وكانا متغلبين على دولته فقبض عليهما سنة تسع وأربعين وقتلهما وفي سنة خمسين كان تغلب للنصارى على جزيرة أقريطش وكان بها أهل الأندلس من جالية الحكم بن هشام بسبب ثورة الرفض ففر بهم إن الإسكندرية فثاروا بها وعبد الله بن طاهر يومئذ عامل مصر فحاصرهم بالإسكندرية حتى نزلوا على الأمان وأن يجيزوا البحر إلى جزيرة أقريطش فعمروها ونزلوها منذ تلك الأيام وأميرها أبو حفص البلوطي منهم واستبد بها وورث بنوه رياسة فيها إلى أن نازلهم النصارى في هذه السنة في سبعمائة مركب واقتحموها عليهم عنوة وقتلوا منهم وأسروا وبقيت في أيدي النصارى لهذا العهد والله غالب على أمره وافتتح صاحب صقلية سنة إحدى وخمسين قلعة طرمين من حصون صقلية بعد حصار طويل أجهدهم فنزلوا على حكم صاحب صقلية بعد تسعة أشهر ونصف للحصار وأسكن المسلمين بالقلعة وسماها المعزية نسبة إلى المعز صاحب أفريقية ثم سار صاحب صقلية بعدها وهو أحمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسن إلى حصار رمطة من قلاع صقلية فاستمدوا ملكهم صاحب القسطنطينية فجهز لهم العساكر برا وبحرا واستمد صاحب صقلية المعز فأمده بالعساكر مع ابنه الحسن ووصل مدده إلى مدينة ميسنى وساروا بجموعهم إلى رمطة وكان على حصارها الحسن بن عمار فحمل عسكرا على رمطة وزحف إلى عسكر الروم مستميتا فقاتلهم فقتل أمير الروم وجماعة من البطارقة وهزموا أقبح هزيمة واعترضهم خندق فسقطوا فيه وأثخن المسلمون فيهم وغنموا عسكرهم واشتد الحصار على أهل رمطة وعدموا الأقوات فاقتحمها المسلمون عنوة وركب فل الروم البحر يطلبون النجاة فأتبعهم الأمير أحمد بن الحسن في أسطوله فأدركهم وسبح بعض السلمين في الماء فخرق مراكبهم وانهزموا وبث أحمد سرايا المسلمين في مدائن الروم فغنموا منها وعاثوا فها حتى صالحوهم على الجزية وكانت هذه الواقعة سنة أربع وخمسين وتسمى وقعة المجاز.